يوسف كـــــــــــا مل0000 الفن المصري الحديث

كان لميلاد يوسف كامل في 29 مايو 1891 بمدينة القاهرة ونشأته بين أسرة من المهندسين لم يخل أفرادها من قدرات فنية أثر على حياته الفنية والتحاقه مع الرعيل الأول بمدرسة الفنون الجميلة عند إنشائها سنة 1908.


ولما كان مولد فنان الأحياء الشعبية يوسف كامل بحي القلعة فقد جمعت الصدفة بينه وبين مهندس فرنسي كان يتجول في الحي عرف بعشقه للفن والفنانين المصريين إذ كان أحد الذين حملوا مهمة تخليد ذكرى المثال مختار وجمع تراثه الفني بعد وفاته وهو بول الفريد فيس. تبادل يوسف كامل الحديث مع الفنان الفرنسي وصحبه إلى مرسمه وعاد المهندس فيس ليبلغ السيدة هدى شعراوي باكتشافه لفنان مصري ناشئ.


وفي اليوم التالي وقفت إحدى العربات في حارة متفرغة من حي القلعة وكان هذا هو اللقاء الأول للفنان بالسيدة الجليلة التي اختارت لوحتين من أعماله أحداهما تمثل ريفية والأخرى لمنظر بحي القلعة، وبعد أيام تلقى منها الفنان مظروفا احتوى على كلمة شكر ومبلغ ستين جنيها عدتها اسهاماً منها في شراء مايلزمه من الكتب وادوات التصوير، وخرج يوسف كامل الى محلات أدوات التصوير بالقاهرة واشترى بالمبلغ كله ألوانا وقماشا.


كان الفنانون قلة نادرة كما أن مثل هذا المبلغ في أول العشرينيات من هذا القرن كان كفيلا بأن يزود معهدا فنيا لا فنانا واحدا بمستلزماته وأحدث يوسف كامل باقتنائه مثل هذه الكمية أزمة حتى ان الفنان محمد ناجي وهو أيضا من مصوري القلعة ظل فترة يذكر جولاته بين محلات أدوات الفن في القاهرة بحثا عن الألوان البيضاء التي اختفت من الأسواق لأن يوسف كامل اقتنى معظمها.


بهذه البساطة الصادقة والاخلاص الصامت عاش الفنان وفي هذا المناخ كانت بدايات الفنانين المصريين غير أن يوسف كامل كان يتطلع دائما إلى أوروبا التي عرفها من أحاديث أساتذته، وكان يستشعر الحاجة إلى استكمال استعداده الفني وحين لم يجد في بعوث الدولة مجالا اتفق مع زميله المصور راغب عياد وكان يعمل أيضا بوظائف التدريس بمدرسة الأقباط على أن يقوم كل منهما بعمل زميله بالإضافة إلى عمله ويتقاضى مرتبه، وأن يتناوبا السفر إلى إيطاليا كل منهما على نفقة الآخر لزيارة متاحفها واستكمال دراسة الفن بها.


كانت الفكرة بما تحمله من دلالات ومعان مثار الاعجاب والتقدير ونوه بها البرلمان في إحدى جلساته في سنة 1924 حين وقف البرلماني ويصا واصف يتحدث عن الفن في مصر وكفاح يوسف كامل وراغب عياد ووافق البرلمان على إدراج الاعتمادات لبعوث الفن فمضت بعثة الفن الرسمية الأولى بالفنانين يوسف كامل وراغب عياد ومحمد حسن إلى روما وبالفنان أحمد صبري إلى باريس ليقضوا في قلب الحياة الفنية خمسة أعوام من 1925 إلى 1929.


كانت الموضوعات التي استهوت يوسف كامل في القاهرة هي نفسها التي استحوذت عليه في روما فكم من وقفة له أمام بيوتها القديمة وعند الحواري العتيقة وكم جذبته بائعات الورود والمتسولون والأشخاص البسطاء الذين يضفون على نسيج الحياة اليومية سحرا خاصا.


عادت بعثة الفن إلى مصر بعد غياب خمسة أعوام ظهرت خلالها في مصر مؤسسات فنية جديدة ولاحت بوادر اهتمامات الدولة بدعم الحركة الفنية فتحولت مدرسة الفنون الجميلة التي تخرجوا فيها إلى مدرسة حكومية وأنشئت مدرسة الفنون التطبيقية بديلا عن مدرسة الفنون والزخارف المصرية فعين يوسف كامل مساعد مدرس بقسم التصوير بديلا عن مدرسة الفنون الجميلة العليا الجديدة التي تولى نظارتها عند إنشائها المصور الإيطالي كاميليو أنيو شنتي.


وظل يوسف كامل يقوم بدور المعلم وهو الدور الذي أهلته له شخصيته السمحة المعطاء، فلم يتخل عن هذا الدور أستاذا، ورئيسا لقسم التصوير ثم عميدا للكلية، وامتدت هذه الحقبة ربع قرن من حياته لم تتخللها إلا ثلاث سنوات عين فيها مديرا لمتحف الفن الحديث.


يقترن اسم يوسف كامل في مصر بأوائل الفنانين الذين ارتبطوا بالانطباعية، تلك المدرسة التي كانت في أوجها بأوروبا في فترة وجوده في إيطاليا، وهو التعبير الذي صكه مصادفة الناقد الفرنسي (لويس ليروي) من لوحة لـ (كلود مونيه) أسماها انطباع شروق الشمس إلا أن هذه التسمية أصبحت عنوانا لاتجاه إتخذ من الضوء ونظرياته العلمية أساسا للأعمال الفنية.


لقد وجد يوسف كامل في اللوحة الانطباعية تجاوبا مع نفسه وطبيعته، ولكنه ظل مع الانطباعية في صفائها حين بدأت هياما بالنور الطبيعية، وقبل أن تتفرع وتضل في نطاق النظريات.


وقد كان لارتباطه بالحركة الانطباعية بوادره في ظل معلمه الأول باولوا فورشيلا، ممثلا في التحرر من العمل في المراسم وعدم الانشغال بالأساليب الكلاسيكية وحبه للطبيعة في رحابتها، وانطلاقها من الأسباب التي شدته إلى فن الانطباعيين، وإذا كان الانطباعيون قد وجدوا في الشرق منابع أغنت تعبيرهم الفني، فإنهم أيضا أعفوا الشرق الحديث بما أبدعوه، واثرو فيه بمفهومهم للون وإدراكهم لقيم النور فكانوا أقرب إلى وجدان الفنان الشرقي حيث أخذ يمارس الفن وفق الأساليب الغربية.


ولعل هذه الوشائج هي التي وجهت الحركة الفنية الحديثة في البلاد العربية حين بدأت معتمدة على تعاليم الغرب الأكاديمية، بعد أن انقطع وصل الابداع الفني في الشرق فترة من الزمان، إذا كانت أكثر الاتجاهات الأوروبية التي وجدت عند الفنان العربي استجابة لاتجاه الانطباعيين ونزعاتهم في التصوير، وعن طريق الحركة الانطباعية بدأ التحرر في التعاليم الأكاديمية التي كانت ميراث الصالون الأكاديمي الفرنسي.


ففي مصر استكمل محمد ناجي تكوينه الفني بالبلدة التي يعيش فيها (كودمونيه) أحد رواد الانطباعية، وقضى فترة من عمره يعمل تحت تأثيره، في الوقت الذي كانت فيه بدايات الفنان محمود سعيد انطباعية، نلمحها في لوحاته عن حي القبة والاسكندرية.


وعندما بدأ العقاد يقدم مذاهب الفن الحديث كانت كتابته الأولى عن فن (الأحاسيس) كما أسماهم في كتاباته المتقدمة عن الفنون الجميلة، وقد شاع بعد ذلك إطلاق تعبير التأثيرية اسما على هذه الحركة إلى أن أقر مجمع اللغة العربية، مصطلح الانطباعية مقابلا للإمبرشنزم وتكاد البدايات التي شهدتها مصر تتكرر في عدة أصعدة في الوطن العربي، فنرى المدى الانطباعي في سوريا يبشر به «ميشيل كرش» ونلمحه في لبنان ماثلا في أعمال قيصر الجميل الذي تأثر برينوار كما يمثله في الفن العراقي أعمال الفنانين الأوائل. أمثال: فائق حسن، عطا صبري، حافظ الدروس، أكرم شكري.


وحين نلقي نظره على المغرب العربي نرى الانطباعية في تونس ممثله في لوحات يحيى التركي كما نلمسها في اهتمام الفنان الجزائري بتأثير الضوء على المشاهد، وبتألق الألوان.


لذلك اتسق توجه يوسف كامل الانطباعي مع المزاج والمناخ العام للفترة، ويمكن تقسيم لوحات يوسف كامل من حيث الموضوع إلى أقسام أربعة: انشغال بتصوير أحياء القاهرة الشعبية، وأخرى تمثل حياة الأسواق والضواحي حول القاهرة، ثم مجموعة ثم تصوير الطيور والحيوانات وهي من خصائص فنه المميز وأخيرا صور الأشخاص.


وقوام هذه الأعمال تصوير جو اللحظة التي يراها الفنان لانعكاس النور والظل، ودفء الشمس على منظر معين وعلى الكائنات وهو يمضي يسجل اللحظات العابرة للناس، ولحظات استغراقهم في العمل أو الاسترخاء ثم ينقل انفعالاته التي سجلتها فرشاته في إطار مبهج من الألوان النورانية.


فقد كان حرص يوسف كامل على تسجيل ما يراه وانفعاله به، كما كان يفعل أوجين بودان، مصور الريف الانطباعي، ويلتقي مع بيسارو في المنظر تسجيلا صادقا لمشهد ينبغي بالصدق، ويعبر عن تواشج الفنان مع المكان دون الانشغال بالتركيز والتركيب الذي من صميم اهتمامات جيوتو، تنتو ديلاكروا.


غير أن التزام فنان الأحياء الشعبية بريشته الحساسة، لا يعني التزامه باتجاه لم يتطور منذ بدايته، فقد ظل يرسم مشحونا بطاقة حب للأشياء المحيطة وقادته حساسيته الفنية إلى التكوين واللون والملمس، وفق تأثره بموضوعه. بل في نطاق هذه الحساسية تغير أسلوبه وتعبيره الفني، فأعماله في المرحلة الايطالية، تختلف عن أعماله في المرحلة القاهرية الأولى، والبيوت الايطالية القديمة تختلف في درجات كونها الوضاءة التي صورها في إحياء القاهرة وان كانت لوحات المرحلة الاولى قد تأثرت بأساليب أساتذته وتغلبت عليها ألوان الفنانين المستشرقين إلا أنه عاد إلى تلك الأماكن التي صورها في مطلع شبابه حيث يعد من أكثر الفنانين وفاء لاحياء القاهرة القديمة، وبيوتها العتيقة، فلم يكف عن النظر إليها، وإعلان حبه لها وهو في عودته إليها في مرحلة إنتاجه الأخيرة يسقط كثيرا من التفاصيل التي كان مولعا بتسجيلها في شبابه، ويرتكز على معالم يشكل منها صورة المكان ولمحه من روحه ويزداد في هذه المرحلة إشعاع لونه بريقا ويكتسب ملمس اللوحة غناء وسمكا.


وإذا كان هذا التطور باديا في تصوير الأحياء القديمة،فإننا نراه أيضا في تصوير المناظر يأخذ منحني يحتفي فيه بالنور أكثر والشكل الخارجي، وهو الشيء نفسه الذي نجده في تصويره للحيوانات والطيور التي كان شغوفا في مراحله الأولى بتسجيل التفاصيل، معنيا بتسجيل ملامح الحيوان وبخاصة الماعز التي أثرها بحبه، إلى أن نراه في مرحلة أخرى يختلف في تناوله ورؤياه لملامحها، في اتجاه الاختزال برؤي جديدة يستخدم فيها المقابلات اللونية وسيلة الثراء للتعبير ويتحول من التركيز على التفاصيل إلى أسلوب اللمحة التي تلتقط السمات الظاهرة وتسجيل الحركة والوقفة المميزة للطيور والحيوانات، بضربات فرشاة سريعة تحاول الامساك بما يراه والتعبير عنه قبل أن يغيب.

يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو
يسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووويسلموووووووو